Education

التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب

Education

في الحرية و المسؤولية

كتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آدابكتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب اضغط على الرابط لتصفح الكتابكتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب اضغط على الرابط لتصفح الكتابأنقر هنا

 

 الحرية و المسؤولية  

الحرية من أهم المفاهيم المطروحة للنقاش اليوم على المستوى الأخلاقي و الاجتماعي أو الاقتصادي والسياسي فالحرية مطلب ينشده كل إنسان وقد تطور مفهوم الحرية واتسع مع تطور الإنسان و للإسلام نظرته المتميزة للحرية. وإذا نظرنا في الكتابات القديمة في موضوع الحرية فسنجد أن الفقهاء المسلمين  تطرقوا إلى مسألة الحرية في سياق تشريعي يرسي أحكاما فقهية تميز بين المسلم الحر والعبد. أما علماء الكلام المسلمين فناقشوا مسألة الحرية من منظور أنطولوجي ربطوا فيه أفعال العباد في علم العقائد بقضية الألوهية، محاولين الإجابة عن أسئلة نذكر منها: هل الإنسان مسير أم مخير ؟ ما حدود قدرة الإنسان في مقابل قدرة الله سبحانه و تعالى ؟ ما مفهوم القضاء و القدر ؟ أما الصوفية و هم فرقة من الفرق الإسلامية  فقد حاولوا استجلاء جماليات الحرية الإنسانية، من خلال التحرير الكامل لإرادة الإنسان فالحر في اصطلاح الصوفية هو من خلع عن نفسه أمارة الشهوات و مزق سلطانها بسيوف المخالفة كل ممزق .أما إذا تحدثنا عن الكتابات الإسلامية المعاصرة في موضوع الحرية فإن بعض هذه الكتابات فقد حاولت التحرر  من الطرح التقليدي رابطة بين الحرية و التوحيد أي بين الحرية و العبودية لله سبحانه و تعالى التي هي المدخل لتحرير الإنسان في حياته الفردية والمجتمعية ولكن ما قد يعاب على هذه الكتابات المعاصرة عدم تركيزها على قيم الاستخلاف المحررة للإبداع الإنساني والدافعة لطلب العلم و المعرفة و البناء الحضاري 

إذا أردنا تعريف الحرية  في الإسلام فهي التحرر من الإكراه والضغط والأسر والظلم وهذا المبدأ يمنح الإنسان الحق في التفكير واتخاذ ما يراه واختيار ما يناسب رغباته المشروعة مع الالتزام و تحمل المسؤولية ، إذن  الحرية هي قدرة الإنسان على التصرف بمحض إرادته اختيارًا بين البدائل والممكنات لتحقيق إنسانيته في ظل التوجيهات الإلهية التي نزلت لتنظيم الحرية حتى لا تنقلب إلى فوضى و ظلم و اعتداء على الحرمات و حقوق الآخرين باسم الحرية . إن الحرية مطلب لا يختلف فيه اثنان إلا أنها لا تؤتي ثمارها إلا في ظلال الممارسة الصحيحة لها بما لا يتعارض مع الدين و الأخلاق و قوانين الدولة و حقوق الآخرين وحرياتهم. إن النفس الإنسانية في الإسلام تتمتع بحرية الإرادة و القدرة والمشيئة، و لكن لا ينبغي لهذه الحرية  أن تتعارض مع إرادة الله تعالى ومشيئته وإنما تسير وفقاً لإرادة الخالق تعالى ومشيئته و إذا حدث العكس فعلى الإنسان تحمل نتجة و وزر عمله

هناك بعض المسلمين المتشددين يستشهدون بحديث(بعثت بالسيف بين يدي الساعة) وهذا الحديث كما نبّه على ذلك أئمة الحديث لا يصح سندًا ولا متنًافالله -عز وجل- لم يذكر في كتابه أنه بعث النبي شاهرًا سيفه إنما بعثه بشيرًا ونذيرًا رحمة للعالمين. وعليه فإن الشارع الحكيم، ففي سنده شك أما المتن وضع أسسا للتعامل بين المسلم ومن يخالف عقيدته يقول عصام البشير:الحرية مرتبطة بالتنمية، والتنمية لحمتها الإنسان، وإذا صح الإنسان عقلا بالعلم وجسدا بالصحة وحرية بالإرادة وروحا بالتزكية نكون قد خطونا الخطوة الأساسية للتنمية المستمرةالمستدامة 

إن الآيات القرآنية التي تبين أن مسألة  العقيدة تقوم على الاختيار الذاتي المحض بعيدا عن أي  أسلوب من أساليب الضغط على فرد أو على جهة لإجبارها على اعتناق عقيدة مهما كانت دون رضاه كثيرة نذكر منها قوله تعالى: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) النور-  54- و قال أيضا جل من قائل : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ )النحل-82-و في موضع ثالث قال سبحانه و تعالى: ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)الكهف- 29 . قال تعالى ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) العنكبوت - 46- . و قد خاطب الله نبيه محمد صلى الله عليه و سلم فقال جل من قائل : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)- 99- سورة يونس-

في القرآن الكريم حوالي ألف آية تقرّر الحرية الدينية المطلقة للبشر وتقرر مسؤولية كل إنسان عن اختياره الديني في الإيمان أو الكفر وفى الطاعة أو العصيان ، كما تقرر الآيات القرآنية أن  مرجع الحكم في الدين هو لله سبحانه و تعالى وحده في يوم القيامة وهناك نفس العدد من الآيات تقريبا موضوعها العذاب أو النعيم المترتب على هذه الحرية المطلقة التي منحها الله للبشر في مجال الدين من اعتقاد وعبادات ودعوة .لقد جاءت عقيدة التوحيد لتحرر الإنسان من عبادة العباد لعبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخر ة لقد حررت عقيدة التوحيد  البشرية  من الوهم والخرافة، ومن أسر الخوف من المجهول ومن البشر وسلطانهم

إن صحيفة المدينة هي أول وثيقة سياسية تكتب في الإسلام  حوت 52 بندا، 25 منها خاص بأمور المسلمين و27 تنظم العلاقة بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى – لقد أعطى نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم أصحاب الديانات الأخرى الحرية في العيش مع المسلمين، والبقاء على مللهم، فضمنت بذلك أحد أهم أسس الحرية ألا وهي حرية المعتقد. كما بين النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم بالتفصيل في صحيفة المدينة ما يجب على المؤمنين بعضهم مع البعض، من التكافل، والتعاون، والتناصر، والأخذ على الباغي. و هكذا مثلت صحيفة المدينة  عقدا اجتماعيا، بين قاطني المدينة، حيث وطدت بينهم حرمة النفس، والمال، والجوار، والوطن، وكفلت نصرة المظلوم، ومقاومة المعتدي، وإعانة المدين، وشددت على تحريم البغي والفساد، وإيواء الباغين والمفسدين

الحرية عمل مسؤول

لا اختيار بلا مسؤولية، ولا مسؤولية بلا اختيار، أي بلا حرية إذ  لابد لحرية الإنسان من ضوابط تكبح جماحها وتلزمها سمت الاعتدال وتروضها على التفاعل الإيجابي مع الواجب والمسؤولية فالتشريع الإسلامي الحنيف يحرص كل الحرص على التلازم والتوازن والاعتدال بين الحرية والمسؤولية وما يتعلق بهما من الحقوق والواجبات، و ذلك كأساسٍ لتوازن الحياة الإنسانية أخلاقيا واجتماعيا وحضاريا. جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان قوله صلى الله عليه و سلم:( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وصف الإنسان في هذا الحديث بالراعي و بالمسؤول  لأنه متبوع بالمساءلة والحساب بموازين الدنيا أولاً ثم بسراط يوم القيامة ثانيا. جاء في  صحيح مسلم أن الصحابي الجليل  أبا ذر رضي الله عنه  قال : ( قلت : يارسول الله ، ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي ثم قال صلى الله عليه و سلم  : (يا أبا ذر ، انك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها وأدى  الذي عليه فيها ). صحيح الإنسان حرّ في اختياراته، ولكنّ الحرية هي التي تجعله متحمّلا للمسئولية القانونية والمجتمعية على كل فعل يصدر عنه، والحرية نظرا لقيمتها بالنسبة للوجود الإنساني،فهي  موضوع للصراعات في المجتمعات وشعار رفعته كل الثورات المجتمعية قديما  و حديثا 

لقد تحدث العلامة التونسي محمد  الطاهر بن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة متحدا عن الحرية في الإسلام فقال: ( ومن قواعد الفقه قول الفقهاء: "الشارع متشوف للحرية " ) واستقراء ذلك واضح من تصرفات الشريعة التي دلت على أن من أهم مقاصدها إبطال العبودية وتعميم الحرية، لكن دأب الشريعة في رعي المصالح المشتركة وحفظ النظام وقف بها عن إبطال العبودية بوجه عام وتعويضها بالحرية... - ثم يقول ابن عاشور  مستنتجا- : فمن استقراء هذه التصرفات ونحوها حصل لنا العلم بأن الشريعة قاصدة بث الحرية بالمعنى الأول ـ يعني إبطال العبودية ـ وأما المعنى الثاني الذي هو تمكن الفرد في التصرف في نفسه وشؤونه كما يشاء دون معارض، فله مظاهر كثيرة هي من مقاصد الإسلام تتعلق بأصول الناس في معتقداتهم وأقوالهم وأعمالهم، ويجمعها أن يكون الداخلون تحت حكم الحكومة الإسلامية متصرفين في أحوالهم التي يخولهم الشرع التصرف فيها، غير وجلين ولا خائفين أحداً..و بعد هذا البيان يضيف محمد الطاهر بن عاشور أمثلة تشريعية في حفظ الحريات بقاء واستمرارا فيذكر منها: الحجر على الإنسان إذا ما تبين أن عمله ليس سديداً، وأنه لا يحسن التصرّف ولا يفرق بين ما هو ضار ونافع، فيحجر عليه لسفهه صوناً لأمواله من التلف، وحفاظًا عليه من أن يتحيّل عليه، فكان السفيه محجوراً عليه لمصلحته، ومثله الصبي الذي لا يميز حتى يبلغ سن الرشد، كما تحجر الشريعة الإسلامية على الإنسان، إذا ما كان عمله مضرّا بالآخرين، بحيث تتعارض مصالحه مع مصالح المجموعة الاجتماعية، وحاطت الشريعة الإسلامية في كثير من تصاريفها حرية العمل بحائط سد ذرائع خرم تلك الحرية

الحرية معرفة و شعور بالمسؤولية

إن التشريع الإسلامي  يقيد الحرية بقيود ليحفظ للغير نصيبه من الحرية وقدره من الحركة، وهذا مما شرعه الله تعالى حفاظا واستمرارا للحرية كذلك. و خير ما نستشهد به في هذا المقام  قول العلامة محمد الطاهربن عاشور الذي عند تناوله بالدرس و التحليل قيود الحرية فيقول  : (ولما كان أفراد البشر سواء في هذا الإذن التكويني، كلٌّ على حسب استطاعته، كان إذا توارد عدد من الناس على عمل يبتغونه ولم يضايق عمل أحدهم مراد غيره بقيت حرية كل واحد خالصة سالمة عن المعارض فاستوفى ما يريد، كالذي يقيم منفردا في مكان، ولكن إذا تساكن الناس وتعاشروا وتعاملوا طرأ بينهم تزاحم الرغبات، فلم يكن لأحدهم بد من أن يقصر في استعمال حريته رعيا لمقتضيات حرية الغير إما بدواعي الإنصاف من نفسه، وإما بتقدم غيره إليه -برغبة أو رهبة- بأن يكف من بعض عمل يريده، لا جرم نشأ في المجتمع البشري شعور بدواعي التقصير من الحرية، ومن شأن ذلك الشعور أن يَحْدُث في تطبيقه ـ حق التطبيق ـ تنازع وتغالب وتهارج ...هذه الحرية الفسيحة لا يقيدها إلا بما يقيد بقية الحريات الأخرى، وهو قيد المصلحة العامة، فما لم تسبب مضرّة للناس ولا للأفراد، وما لم تضر بالآداب، وقواعد السلوك، والأعراف التي تصالح الناس عليها، فهي مباحة، وإلا قيدتها الشريعة بما يحقق التوازن بين أفراد المجتمع، ويحقق أمنه وسلامته

لقد قامت الحرية في الإسلام على الاعتدال و التوازن بين الحق و الواجب فهناك علاقة تلازمية بين الحرية    و العدل إذ من العدل أن يكون الإنسان حرا كما أن الحرية لن تكتمل إلا بالعدل إن الحرية يشوبها التطرف إذا  افتقدت إلى روح الاعتدال و التوازن بين الحرية و العدالة و كمثال على ذلك نذكر الحرية في بلاد الغرب التي قامت في إطار رد فعل على الاستبداد الكنسي فشابها التطرف بسبب عدم الاهتمام بالعدل الاجتماعي و التوازن بين الفقراء و الأغنياء و ما صعود الأحزاب الاشتراكية  في العصر الحديث و حصولها على السلطة في الدول الغربية إلا محاولة لمقاومة  ذلك التطرف في حرية لم تسع لتحقيق عدالة اجتماعية و توازن بين الأغنياء والفقراء في المجتمعات الغربية  . أما في العالم الإسلامي فقد تصاعدت ظاهرة ما يسمى اليوم  بالتطرّف الإسلامي المعادي لحرية المعتقد و التعبير و حق الاختلاف كان نتيجة ذلك الاعتداء على الأنفس و هتك الأعراض و الفوضى و الحروب و تشريد الأبرياء من أطفال و شيوخ و نساء و قد وصل الأمر إلى إعادة الاسترقاق و الاستعباد و لعل هذا ما جعل دول العالم اليوم عربية و إسلامية و غربية تدخل في حلف لمحاربة الإرهاب،إن المجتمع الدولي اليوم  أمام مواجهة ثقافية، وخصوصاً في مسألة الحريات و لكن ما ننبه عليه في نهاية مقالنا أن الإرهاب لا دين له و لا لون له و هو ليس مقتصر على العالم الإسلامي بل جل دول العالم تعاني من شتى أنواع  التطرف المعادي للحرية . و صدق الله العظيم القائل  : (إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ )الرعد11-

 

في الحرية و المسؤولية اضغط: على الرابط للطبعفي الحرية و المسؤولية : اضغط على الرابط للطبعأنقر هنا