الاجتهاد : من مناهج التشريع
اضغط على الرابط لطبع برنامج السنة الرابعة آداب مادة التفكير الإسلامي
قبل الحديث عن الاجتهاد لا بد من بيان معنى المناهج و هي مرادفة للأدلة و المصادر لكن مع وجود فارق بسيط هو أن المقصود بالأدلة هي الأدلة غير العقلية أما المناهج فتطلق على الأدلة العقلية و هي كما يقول علي حسب الله إما أصول نقلية كالكتاب و السنة و شرع من قبلنا و العادات و مذهب الصحابي أو أصول عقلية و هي الاجتهاد إما الفردي أو الجماعي و يدخل فيه الإجماع و القياس و المصلحة المرسلة و الاستصحاب و البراءة الأصلية و الاستقراء و الاستدلال و الاستحسان و الأخذ بالأخف و العصمة الاجتهاد في اللغة يدل على بذل الجهد و الطاقة في سبيل التحصيل على أمر مادي أو غيره فالاجتهاد لفظ لا يستعمل إلا فيما يقتضي من صاحبه جهدا و مشقة و الاجتهاد عند علماء الأصول هو بذل الفقيه الوسع في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها أما النظر في الأحكام و تطبيقها على أفعال المكلفين فلا يسمى اجتهادا و إنما يسمى تحقيق مناط و لو عدنا إلى تعريفات علماء الأصول للاجتهاد للاحظنا اختلافا بينا بينها و كمثال على ذلك سأذكر تعرف الشافعي المتوفي فى 204 هجرية و تعريف الغزالى المتوفي 505 هجرية ومن خلال التعريفين نستنتج أن الاجتهاد مفهوم متطور يقول الشافعي معرفا الاجتهاد ( الاجتهاد و القياس اسمان لمعنى واحد ) و في المقابل يقول الغزالي ( ذهب بعض الفقهاء : القياس هو الاجتهاد . وهو خطأ ، لإن الاجتهاد أعم من القياس لأنه قد يكون بالنظر في العمومات و دقائق الألفاظ و سائر طرق الأدلة سوى القياس ) و من هنا نلاحظ أن هناك نوعين من الاجتهاد الأول : اجتهند في ما فيه نص فهو اجتهاد بياني يقع فيه البحث عن معنى النصوص المبحوث فيها فالتشريع نصوص ذات مفاهيم و دلالات و غايات و بعض هذه الدلالات لوازم عقلية فيها مجال واسع للاجتهاد بالرأي و يتفاوت المجتهدون في الاجتهاد و الاستنباط لهذه اللوازم العقلية فآيات القرآن و الأحاديث النبوية تنقسم من حيث ألفاظها إلى ألفاظ واضحة الدلالة لا تحتاج فهم المراد منها و تصنيفه على الوقائع إلى أمر خارجي و الثاني ألفاظ غير واضحة الدلالة على معانيها بحيث يحتاج فهم المعنى المراد منها أو تطبيقها على الوقائع إلى أمر خارجي فمن مقومات الاجتهاد البياني اعتماد العقل للاستنباط و البيان و الشرح و الفهم ففي النص التشريعي منطوق و مفهوم و عام و خاص و مطلق و مقيد و نصل الآن إلى النوع الثاني من الاجتهاد و هو : الاجتهاد فيما لا نص فيه و من مناهج التشريع فيه نذكر : 1 - الاجتهاد القياسي و القياس كما عرفه علماء أصول الفقه إلحاق واقعة لا نص على حكمها بواقعة ورد نص بحكمها لتساوي الواقعتين في علة الحكم و من هذا التعريف نستنتج أن أركان القياس أربعة و هي : الحادثة المنصوص على حكمها و تسمى الأصل و الحادثة المشابهة و تسمى الفرع و الركن الثالث هي العلة و هي الباعثة على التشريعبمعنى أنه لا بد أن يكون الوصف مشتملا على مصلحة صالحة لأن تكون مقصودة للشارع من الحكم و الركن الرابع هو الحكم . 2 - الاجتهاد الاستصلاحي : و المصلحة المرسلة هي تشريع حكم في واقعة لا نص فيها و لا إجماع بناء على مراعاة مصلحة مطلقة أي مرسلة لم يدل دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها و تبنى المصالح في الإسلام على جلب المنافع أو دفع المضار و من امثلة المصلحة المرسلة اتخاذ السجون وسيلة للقصاص ةالإصلاح 3 - الاجتهاد الاستحساني : و الاستحسان هو الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي مثال للاستحسان إباحة المزارعة و المساقاة و الاستصناع رغم أنها عقود على مؤجل أو معدوم .إن الاجتهاد في الإسلام واجب شرعي و عقلي و هو الدليل القوي على قدرة أحكام الإسلام على مواجهة كل المتغيرات و الوقائع و على شمولية الشريعة الإسلامية و مرونتها و صلاحيتها لكل زمان و مكان و ببالاجتهاد أمكن للدين الإسلامي تلبية كل الاحتياجات التي يفرضها التطور قال الشاطبي إن الوقائع في الوجود لا تنحصر فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة فالنصوص من قرآن أو سنة متناهية و الوقائع غير متناهية و ما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى لذا كان الاجتهاد و القياس واجبا ليكون لكل حادثة حكم و بالاجتهاد لا تنعزل الحياة عن الدين و بالاجتهاد يبقى للدين سلطانه في النفوس و اقتداره على إسعاد البشر و لذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس و غيره فلا بد من حدوث وقائع لا يكون منصوصا على حكمها و لا يوجد للأولين فيها اجتهاد )الموافقات صفحة 104 الجزء 40 يقول علال الفاسي في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية و مكارمها و بما أن الشريعة الإسلامية عامة تشمل كل الشعوب و القبائل و أبدية لكل العصور و الأجيال و بما أن أفعال الشر في كل الأزمنة و الأمكنة متنوعة إلى ما لا نهاية لها فإن الشريعة لم تنزل على شكل واحد من التفصيل و لكن أرشد الشارع إلى كثير من مسائلها عن طريق كليات محكمة و أصول راسخة و مقاصد دائمة تدل عليها دلائل خاصة و قرائن بينة و أمارات معقولة و لا يستطيع إدراك تلك الأدلة و الأمارات و استنباط الأحكام منها إلا الذين أوتوا العلم و نالوا نصيبا ممتازا من الإدراك و الفهم و هم المجتهدون و من هنا يعلم ضرورة وجود المجتهدين الذين يقوون على استنباط الأحكام غير المعلومة من الأصول و الأمارات المعلومة و يعتمد المجتهد في استنباطه الأحكام على أمرين : المعرفة بالأدلة السمعية و التأكد من دلالة اللفظ في اللغة العربية في استعمال البلغاء و القدرة على الموازنة بين الأدلة و اختيار أرجحها و أقواها على من دونه إن الاجتهاد اليوم أيسر منه في العصور السابقة إذ ضبطت قواعد العربية و دونت الأحاديث و فسر القرآن الكريم و نشرت تلك الكتب بين الناس و أصبحت في متناول كل طالب علم و مستفيد فقه إن الفقيه اليوم أقدر على الاجتهاد ممن مضى و لكن لا يمكن أن يجتهد إلا من جمع أسباب الاجتهاد و توفرت فيه شروطه ثم إن دعوى غلق باب الاجتهاد لا يمكن أن تصدر عن عالم فالذي فتح باب الاجتهاد هو الله صاحب الشريعة و لا يمكن لأحد أن يغلق بابا فتحه الله سبحانه و تعالى لقد أوجب الإسلام على العلماء المسلمين الاجتهاد فيما لا نص فيه من القرآن و السنة و كذلك سمح لهم بالاجتهاد فيما ورد فيه نص و بما أن القرآن كتاب معجز اشتمل على الايجاز و الإطناب و على الإجمال و التبيين و على الإطلاق و التقييد و على العموم و الخصوص فهو في حاجة إلى نظر و تدبر و مجال لإعمال العقل لذا كان الإختلاف الفقهي نتيجة ضرورية لا يمكن أن لا تكون ما دام للعلماء نظرات لا تتحد و أفهام لا تتفق و هذا لا يدل على تناقض في المصدر التشريعي المستنبط منه و إنما يدل على مرونة النص و سعة قابليته التطبيقية لقد بني الفقه الإسلامي على الإستحسان و المصالح العامة و الأعراف حتي يجاري واقع المسلمين و يلبي حاجيات واقعهم المعيش
في الاجتهاد الفردي و الجماعي اضغط على الرابط للطبع