Créer un site internet

Education

التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب

Education

الحرية قيود أو لا تكون

كتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آدابكتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب اضغط على الرابط لتصفح الكتابكتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب اضغط على الرابط لتصفح الكتابأنقر هنا

 

الحرية قيود أو لا تكون

 

 لم يرد مصطلح الحرية في القرآن الكريم بل وردت كلمة الحُرّ التي  ذكرت في القرآن مرّة واحدة كمقابل لكلمة العبد قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ). ورد مصطلح (تحرير رقبة) خمس مرات في سور القرآن الكريم سورة النساء والمائدة والمجادلة، وورد في سورة البقرة مرة واحدة في قوله سبحانه : ( كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد)وما عدا هذا فلا نجد لكلمة الحرية ومشتقاتها أي وجود في القرآن الكريم .وإذا انتقلنا إلى الحديث النبوي فلن نجد لفظ الحرية بل سنجد فيه كلمة العتق وهو معنى مقابل للرق. الحرية أكبر ما تهش لسماعه الآذان جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن: (جميع الناس أحرار متساوون في الكرامة والـحـقوق)، وجاء فيه أيضا: (أن لكل فرد حقا في الحرية والسلامة الشخصية، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا على أساس من القانون وطبقا للإجراءات المقررة)، هاتان العبارتان إن كانتا على حقيقتيهما فقد سبقهما الإسلام قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا). الإسراء (70)وقال سبحانهجل من قائل: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير). الحجرات آية (13). وقال صلى الله عليه وسلم: " لا فرق لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى"  الحرية التي يدعو لها  الإسلام هي الحرية التي تبني شخصية الإنسان ، وتحرس أمنه و أمن المجتمع الإنساني ، إن الحرية التي يدعو لها  الإسلام هي الحرية التي تحفظ النفس والفطرة، وتقيم الحق والعدل. تتفق جل المدارس الفكرية الإسلامية المعاصرة على أن الحرية هي أساس الاعتقاد والفكر والعمل. للحرية دور هام في تنمية الإنسان وتحقيق رسالته الإستخلافية، و هي مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية .تعمل الحرية في المفهوم الإسلامي على تحرير الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وحده. الحرية وصف فطري في البشر، (فطرة الله التي فطر الناس عليها) (الروم: 30). والفطرة هي النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق؛ ففطرة الإنسان هي "ما فطر، أي خلق عليه الإنسان ظاهرا وباطنا أي جسدا وعقلا" ومادامت الحرية من أصل الفطرة فهي شعبة من شعب الإيمان. قال الله تعالى:( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) (الأعراف: 157)، تقر هذه الآية أن الله سبحانه و تعالى  في شرائحه المختلفة قد رفع عن الإنسان الأغلال و التكاليف الشاقة والقيود التي يفرضها الكهنة و الحكام و التي كانت تلغي حرية دعا الإسلام إلى احترام الأفكار المختلفة من دون سخرية أو استهزاء، لأن احتقار أفكار الغير وعدم احترامها مدخل إلى الفتنة و سبب من أسباب ضمور الإبداع فالمجتمع الذي لا يحترم اختلاف الأفكار مجتمع يقل فيه الإبداع . واحترام الأفكار لا يعني  عدم نقدها وتمييز خبيثها من طيبها. ولكن النقد يكون انطلاقا من الإيمان باحتمال وجود صواب ما في هذه الأفكار المنقودة، مع تجنب التعرض لأصحابها بالإساءة والطعن والاستخفاف. تنافي كلمة التخيير في الخطاب الشرعي مع الالتزام والتقييد . وقد عرف علماء الإسلام المباح بقولهم ( المباح من حيث هو مباح لا يكون مطلوب الفعل ولا مطلوب الاجتناب ) و من خلال هذا التعريف نتبين  أن المباح هو  الذي يستوي فيه الفعل والترك فهو متروك الأمر فيه للمكلف ، إرادة للحرية والتخيير .يقول العلامة بن عاشور رحمه الله ( فأما الحرية الكائنة في عمل المرء في الخويصة فهي تدخل في تناول كل مباح، فإن الإباحة أوسع ميدان لجولان حرية العمل ، إذ ليس لأحد أن يمنع المباح لأحد، إذ لا يكون أحد أرفق بالناس من الله رب العالمين) . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم  ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهي عن أشياء فلا تنتهكوها ، وحد حدود فلا تعتدوها،وعفي عن اشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها) اشتمل هذا الحديث النبوي علي ثلاث مراتب هي : الواجبات والحرمات والحريات ، وهي التي عبر عنها صلى الله عليه و سلم بالعفو حين قال (وعفي عن اشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها) تتسع دائرة الحرية في الشريعة الإسلامية لتشمل مرتبة العفو ، وما سكت عنه الشارع عموما، و في هذا يقول الإمام الشاطبي رحمه الله ( يصح أن يقع بين الحلال والحرام مرتبة العفو) إذا تجاوز أي إنسان حدود وضوابط الحرية؛ فإنه يؤذي نفسه ومجتمعه لذا رفض الإمام مالك رحمه الله دعوة أبي جعفر المنصور لتعميم كتابه على الناس وإلزامهم به وقال قولته المشهورة: (إن الناس قد سبقت لهم أقاويل وسمعوا أحاديث وأخذ كل قوم بما سبق إليهم من اختلاف أصحاب رسول الله وغيرهم، وإن ردهم عن ذلك شديد فدع الناس وما هم عليه).

 إن مفهوم الحرية اليوم يعرف تسيبا كبيرا إذ أن مستعملي لفظ الحرية  يحملونه على محامل ذاتية ضيقة؛ فالوقح يرى الوقاحة حرية، والجريء يجد في لفظ الحرية  مبررا لجرأته على المبادئ و القيم و العقائد و الأديان و بذلك ارتكبت و ما زالت ترتكب أفظع الجرائم باسم الحرية، فيسحق الإنسان، وتسحق المبادئ والقيم الإنسانية باسم الحرية. إن للحرية في المفهوم الإسلامي قيودا و ضوابط والحرية كما قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور هي      ( السلامة من الاستسلام إلى الغير بقدر ما تسمح به الشريعة والأخلاق الفاضلة ) ويمكن حصر الضوابط التي وضعها الإسلام للحرية في :
1- ألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه
2- ألا تفوت حقوقا أعم منها،وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها
3 - ألا تؤدي حرية الفرد إلى الإضرار بحرية الآخرين                                                                          

تبدأ قيود الحرية من الشارع الذي نسير على رصيفه حيث يتوجب علينا أخذ يمين الرصيف وفق وجهتنا حتى لا نعرقل السير الحر للقادم بعكسنا والذي عليه أيضاً أن يختار يمين وجهته ، وبذلك ينتفي الازدحام وعرقلة سير المشاة ، وكذلك العبور إلى شارع آخر يجب أن يتم أيضاً وفق النظام والعبور من الممرات المسموح عنها قانوناً قيود الحرية هي التي تمنعنا أيضا  في منزلنا أن يزعج الجوار بإحداث شغب وضوضاء كرفع صوت التلفاز أما إذا تحدثنا عن حرية الحوار والتعبير فإن قيود الحرية تلزمنا باحترام الرأي الآخر وتقبله والتقيد بالألفاظ الأخلاقية وعدم رفع الصوت أو الاستهزاء بالمحاور . الإنسان حر في السفر والتنقل داخل بلده وخارجه دون عوائق تمنعه من طلب الرزق و العلم قال الله تعالى : (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه و أليه النشور) و لكن قد تقتضى المصلحة الراجحة  وضع قيود على حرية السفر و التنقل ،كما فعل عمر بن الخطابرضي الله عنه – في طاعون عمواس ،حين منع الناس من السفر إلى بلاد الشام ،الذي كان به هذا الوباء ،و لم يفعل ذلك الا تطبيقا لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه و إذا وقع بأرض و انتم بها فلا تخرجوا فرار منه) و لأجل تمكين الناس من التمتع بحرية التنقل ،حرم الإسلام الاعتداء على المسافرين، والتربص لهم في الطرقات ،و أنزل عقوبة شديدة على الذين يقطعون الطرق و يروعون الناس بالقتل و النهب و السرقة، قال تعالى : (إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم )و لحسن استعمال الطرق و تأمينها نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الجلوس فيها، فقال: (إياكم و الجلوس في الطرقات ،قالوا: يا رسول الله ،ما لنا بد في مجالسنا، قال: فان كان ذلك، فأعطوا الطريق حقها، قالوا: و ما حق الطريق يا رسول الله ؟قال: غض البصر و كف الأذى، و رد السلام،و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ) كل هذه القيود من أجل حماية حرية السفر و التنقل . أما إذا أردنا التحدث عن قيود الملكية الفردية فيمكن أن نجملها في :
1- مداومة الشخص على استثمار المال ،لأن في تعطيله إضرارا بصاحبه ،و بنماء ثروة المجتمع
2- أداء زكاته ،إذا بلغ نصابا ،لأن الزكاة حق المال ،و كذلك إنفاقه في سبيل الله
3- اجتناب الطرق المحرمة للحصول عليه ،كالربا ،و الغش و الاحتكار و نحوه
4-  عدم الإسراف في بذله أو التقتير        
                                                                                        

الحرية من المنظور القرآني هي تلك الحرية التي لا تصطدم مع الفطرة والعقل ومقاصد الشريعة الإسلامية إذ لا حرّية في نظر الإسلام  دون مسؤولية وحساب ، فحين يعطي الله سبحانه وتعالى حرّية الاختيار للإنسان ، ويوفّر له كلّ أَسباب ممارستها ، فإنه سبحانه و تعالى يحمل الإنسان مسؤولية اختياره و أفعاله قال سبحانه و تعالى :( وقل الحقُّ من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين ناراً أَحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أَجر من أحسن عملاً * أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسُنت مُرتفقاً ) الكهف : 29 – 31 هذا و يقر القرآن الكريم أن الإنسان مسؤول و محاسب في دنياه كما في آخرته قال تعالى:(أَم حسب الذين اجترحوا السيئات أَن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) الجاثية : 21

 كما أن رفع مكبرات الصوت في الأعراس ، ووضعها على النوافذ المطلة من البيوت إلى الشوارع بشكل مباشر ، أو على الشرفات ، مسببة بذلك إزعاجاً حاداً للمارة على الطرقات ، وإيذاءً للمرضى داخل البيوت وفي المستشفيات ، وكذا خرقاً صارخاً للأعراف والقيم وأخلاقيات المجتمع، ثم والأدهى من ذلك إطلاق الأعيرة والألعاب النارية التي تشبه أصواتها أصوات تلك القنابل الصوتية المدوية ، التي تفزع الآمنين ، وتحدث الرعب في نفوس الأطفال.                                                                                                                    

هل من الحرية التمرد على رئيسنا أو مديرنا في العمل بغير وجه حق و لخلاف شخصي لا علاقة له بإطار العمل بل يدخل في تصفية حسابات شخصية و يا ليت الأمر يقف عند هذا الحد إذ أن البعض لا يتردد في  تحريض مجموعة من زملائه داخل  المؤسسة أو المصنع المصلحة فتسمع  الهتافات بكلمة"ارحل"dégage  وما شابه  بدعوى الحرية فهذه حرية خاطئة مغلوطة فالحرية المسؤولة في الإسلام لا تسمح لصاحبها بأن يقول ما يشاء و لو كان تعد على أعراض الناس و حرماتهم لذا نقول أن الحرية المطلقة مفسدة مطلقة                       

  إن الحرية المتمردة على الهوية و  المنفلتة عن القيود و الضوابط ، الخارجة  عن القيم السامية التي أكد عليها الإسلام هي حرية  متصادمة مع  مفهوم الحرية الحقة التي فطر و جُبل الإنسان عليها. إن القول بالحرية المطلقة التي لا تخضع إرادة الفرد لأي نوع من الضوابط  التشريعية و الأخلاقية تؤدي حتما لانهيار العلاقات الإنسانية كما تمزق النسيج الاجتماعي  لهذه الأسباب  لا بد للإنسان من القبول  بقيود على إرادته وحريته المطلقة و هذا ما نصت عليه التعاليم الإسلامية .