Education

التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب

Education

في الاجتهاد الفردي و الجماعي

كتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آدابكتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب اضغط على الرابط لتصفح الكتابكتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب اضغط على الرابط لتصفح الكتابأنقر هنا

بين الاجتهاد الفردي و الجماعي

 

الاجتهاد : هو المصْدر الرابع من مصادر الشريعة الإسلاميَّة بعد القرآن الكريم المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي  وبعد السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة و التسليمو التي تمثل المصدر الثاني للتشريع الإسلامي وبعد الإجماع المصدر الثالث ، ويُعبَّرُ عن الاجتهاد  أيضًا باسْم "القياس" أو "العقْل" أو "الرأْي"، باعتبار أنَّ كلاًّ من هذه الثلاثة ما هو إلا أداة من أدوات الاجْتهاد         

 

                                

الاجتهاد  في اصطلاح الأصوليين:  عرف علماء أصول الفقه الاجتهاد  باستفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي. كما عرف المجتهد بأنه  الفقيه الذي يستفرغ وسعه لتحصيل حكم شرعي) فالمجتهد هو الذي تكون لديه ملكة الاقتدار على استنباط الفروع من الأصول. والأسباب التي تمكن المجتهد من الاجتهاد - في العلوم الشرعية، وكذلك في العلوم العقلية. الاجتهاد هو طلب الأحكام من المناهج الشرعية و بالتالي ليس فيه خروج عن الشريعة و لقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم قضية الاجتهاد حين أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن قاضياً، قال له: ( كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أجتهد رأيي لا آلو، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري، ثم قال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم) [ أبو داود 4/18-19، رقم (3592)، والترمذي 3/616، رقم (1327)، وأحمد 5/242، رقم (21595)  ولم يقف الأمر عند هذا بل تعداه إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لبعض أصحابه بالاجتهاد في حضرته و  من ذلك ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: ( نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم - أو خيركم - فقال: هؤلاء نزلوا على حكمك، فقال: تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريهم قال: قضيت بحكم الله) البخاري في الجهاد والمغازي، ومسلم في الجهاد برقم (1768). و لعل أوجز ما يوصف به الاجتهاد أنه أحد مصدرين للأحكام في الفقه الإسلامي. ذلك لأنه مهما يختلف علماء الأصول في الأدلة الشرعية، وفي عددها، فهم متفقون على أن هذه الأدلة ترجع في جملتها إلى مصدرين هما: النصوص، والاجتهاد.‏ وإذا كانت النصوص تشمل نوعين من الأدلة، هما: القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، ويمكن أن يرجع إليهما الإجماع في كثير من صوره، كما تلحق بهما فتوى الصحابي، فالذي لا شك فيه أن سائر الأدلة ترجع إلى الاجتهاد، ومن بينها بعض أنواع الإجماع، والقياس كله، والاستصلاح والاستحسان والاستصحاب ومراعاة العرف...‏ لقد رفعتِ الشريعة الإسلاميَّة من مكان الاجتهاد في القَبول والاعْتِبار، وحضَّت عليه بكلِّ قوةٍ فقد روى مسلم عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر )-حديث رقم 1716- وفي هذا مُنْتَهى التقدير لحريَّة الرأْي. لقد نص الإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- ضمن ما رأىمن شروط الاجتهاد أن يكون طالب الاجتهاد مدركاً للمقاصد في الخطاب من الكتاب والسنة. فقال:- ( والتخفيف فيه أنه لا يشترط أن يبلغ درجة الخليل والمبرد وأن يعرف جميع اللغة و يتعمق في النحو، بل القدر الذي يتعلق بالكتاب والسنة و يستولي به على مواقع الخطاب ودرك حقائق المقاصد منه.                                                        

  و أما تفصيل شروط المجتهد، كما حددها علماء الأصول فهي:
1- التمكن من اللغة العربية، إلى الحد الذي تتحصل فيه للمجتهد القدرة على إدراك أسرار البيان القرآني المعجز ومقاصد السنة النبوية الشريفة.
2- الفهم والتدبر لآيات الأحكام في القرآن الكريم، والتي تبلغ الخمسمائة آية كما ذكر الغزالي و تبعه الرازي في ذلك.
3- رسوخ القدم في السنة النبوية وعلومها، رواية ودراية، سندا ومتنا، وعلى الأخص ما جاء في صحاحها ومجاميعها ومسانيدها من أحاديث الأحكام، التي قدرها البعض بثلاثة آلاف حديث.
4- المعرفة المحيطة بالناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، في آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية الشريفة.
5- المعرفة بأصول الفقه، واجتهادات أئمته فيه، ومسائل الإجماع والقياس فيه.
6- الحذق لروح التشريع الإسلامي ومقاصد الشريعة الإسلامية، حتى تتحصل للمجتهد ملكة الجمع والمقارنة بين النصوص المتعددة - والتي قد تبدو أحيانا مختلفة أو متناقضة - في المسألة الواحدة، والخروج منها بالحكم
المحقق. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:  "لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفاً بكتاب الله: بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، ويكون بعد ذلك بصيراً بحديث رسول الله، وبالناسخ والمنسوخ... ويكون بصيراً باللغة بصيراً بالشعر، وما يحتاج إليه للسنة والقرآن، ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون بعد هذا مشرفاً على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا. فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي".‏ المتتبع لأقوال المحققين من علماء الفقه وأصوله يجد أنهم اشترطوا في أهلية المجتهد  وتصديه للاجتهاد الإلمام بمقاصد الشريعة ومعرفتها ومن لم يكن عالماً بالمقاصد فاهماً لها غير قادرعلى الوصول إليها ولا معرفتها؛ لايكون أهلاً للاجتهاد؛ بل يحرم عليه الاجتهاد؛ لأن غير المجتهد لا يجوز له أن يجتهد و من لم يتأهل للاجتهاد فكيف يتعرض للاجتهاد؟. ذهب الإمام الجويني -رحمه الله- إلى أن التبصر في وضع الشريعة يتطلب التفطن للمقاصد الشرعية فقال: من لم يتفطن لوقوع المقاصد في الأوامر والنواهي؛ فليس على بصيرة في وضع الشريعة.( فظاهركلام الجويني رحمه الله اشتراط معرفة المقاصد ومواقعها في الأوامر والنواهي  يكون مريد الاجتهاد مؤهلاً للاجتهاد.  7- الخبرة بشؤون الحياة كلها و ما يقوم به الناس من أوجه النشاط المختلفة في تدبير معاشهم   

   

   تعريف الاجتهاد الجماعي: هو ( استفراغ أغلب الفقهاء الجهد لتحصيل ظنٍّ بحكمٍ شرعيٍّ بطريق الاستنباط، واتفاقهم جميعاً أو أغلبهم على الحكم بعد التشاور)        أهمية الاجتهاد الجماعي:إن الدعوة إلى الاجتهادالجماعي ليست وليدة الحاضر، وإنما هي حاجة ملحة مارسها المسلمون قديما امتثالا لأمر الله سبحانه و تعالى بالتشاور و التناصح و التمسك بالعروة الوثقى. وتظهر أهمية الاجتهاد الجماعي فيكون حياة الإنسان متغيرة ومتطورة و بالتالى تتغير متطابات الواقع المعيش كما تتغير مصالح الإنسان المشروعة المتغيرة ، و حيث اقتضت حكمة الله عزَّ وجلَّ أن يكون بيانالوحي المتلو – القرآن - وغير المتلو – السنة - في الكليات والمقاصد والغايات في الغالب الأعم، دونالتطرق إلى التفاصيل والفروع والجزئيات إلا نادراً، ومن هنا كانت ضرورة الاجتهادملحة ودائمة حتى تكون روحُ الشريعة مستوعبة الواقعَ المتجدد ولتستجيب التشريعات لمايستجد من المستحدثات و الوقائع و الطوارئ في تجددها و تفرقها بالاجتهاد يستجيب التشريع الإسلامي لمتطلبات اللحظة التارخية .
كان المجتهد في ظل الحياة البسيطة سابقاً يستطيع النظر في الأمور المختلفة ويخرج منهابرؤية سليمة.
أما اليوم فقد تغيرت الأحوال في الجهتين؛ جهة الحياة فأضحت معقدة،وجهة الثقافة الموسوعية فقد توضحت معالم التخصصات الدقيقة، فلم يعد بإمكان المجتهدالفرد أن يلم بحقائق الأشياء وحده.
وأمام كل ذلك كان لا بد أن يتخذ الاجتهادالإسلامي أسلوباً جديداً ليلبي احتياجات هذا الواقع الجديد،  وأصبح الاجتهاد يتطلب أن يشمل خبراء علومالدنيا التطبيقية بجانب علماء الدين، وأن تتبلور المؤسسات الفكرية التي تجمعالخبرات في علوم الدين والدنيا معا ليعود للاجتهاد تألقه، ملبياً احتياجات الناس و متطلبات  الواقع المتجدد.   
                                                                                                                      

الحاجة إلى الاجتهاد :

أ -خلود الشريعة الإسلامية، لختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي يقتضي الاجتهاد المحقق لصلاحها  لمختلف العصور. فغيبة الاجتهاد يقف بالشريعة الإسلامية عند تلبية احتياجات عصور دون الأخرى، الأمر الذي قد  يهددها بالجمود، الذي يجعلها عاجزة عن تلبية حاجات العصور المتتالية المتعاقبة، والتي هي- بحكم سنة التطور- متغيرة ومتجددة.
ب -عموم الرسالة المحمدية، ومن ثم شريعتها، للعالمين، الأمر الذي يستدعي الاجتهاد لتلبية احتياجات البيئات المختلفة والعادات المتغايرة والأعراف المتمايزة، للبلاد والأمم والأجناس المختلفة.
ج-طروء البدع - بالزيادة والنقصان - على أحكام الشريعة، بمرور الازمان، وخاصة في عصور الضعف والجمود، الأمر الذي يستدعي الاجتهاد لجلاء الوجه الحقيقي لأحكام الشريعة ومقاصدها.
د -تناهي نصوص الأحكام - في الكتاب والسنة- ولا نهائية المشكلات الحادثة للناس عبر الزمان والمكان، الأمر الذي يستدعي الاجتهاد لاستنباط الفروع الجديدة من الأصول الثابتة، لتستظل بهذه الفروع الجديدة مساحات من الوقائع والمشكلات لم تكن موجودة من قبل.
هـ-التطور، الذي هو سنة من سنن الله في خلقه، في الإنسان، والحيوان، والنبات، والجماد، والأفكار، والذي يستدعي الاجتهاد لينمو القانون الإسلامي فيواكب ثمرات التطور ويلبي احتياجاته في مختلف ميادين.لابد للمجتهد من فهم أحوال عصره وظروف مجتمعه الذي يعيش فيه، ليتمكن بذلك من تكييف الوقائع التي يجتهد في استنباط أحكام لها، ويأتي حكمه عليها سليمًا، وفهمه لها صحيحًا، فالمجتهد كالمفتي لابد له من معرفة واقعة الاستفتاء، ودراسة الظروف الاجتماعية المحيطة بها، والعوامل المؤثرة في الواقعة، وبذلك تكون فتواه معالجة للواقع القائم فمعرفة الناس أصل يحتاج إليه المجتهد، وإلا أفسد أكثر مما أصلح، فعليه أن يكون عالمًا بالأمر والنهي، وطبائع الناس وعوائدهم، وأعرافهم، والمتغيرات الطارئة في حياتهم، فالفتوى قد تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال. الاجتهاد متصل بأحكام الفقه الذي يشمل جميع مجالات الحياة حيث يتسع لكل قضية تجد في حياة المسلمين وتتطلب حلا يحقق مقاصد الشريعة ، والحاجة إلى الاجتهاد قائمة ومستمرة مما يجعل شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان، كما تتضح أهمية الاجتهاد في عصرنا بالنظر إلى قوة التأثير التي تمارسها وسائل الإعلام وضغط العولمة التي تدفع بالمجتمعات الإسلامية إلى الابتعاد عن تاريخها وثراتها وحضارتها وتهدد بطمس هويتها .إن مجال الاجتهاد يشمل جميع نواحي الحياة المعاصرة دون استثناء .الاجتهاد ضرورة حتمية في التفاصيل والجزئيات، والأحداث والوقائع اللامتناهية، حتى لا تقف الشريعة عند أداء مهمتها في التشريع والتقنين، وحتى تكون صالحة لاستيعاب مستجدات الأحداث محافظة على مصالح الإنسان المشروعة.    
                                        

  العلاقة بين الاجتهاد و مقاصد الشريعة                                                                                                                                 حصرابن تيمية -رحمه الله تعالى- الفقه في الدين في معرفة مقاصد الشريعة وحكمها( فقال ) الفقه في الدين هو معرفة: حكمة الشريعة ومقاصدها و محاسنها.) أكدالإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى- أن درجة الاجتهاد لا تحصل إلا لمن اتصف بوصفين:الوصف الأول: فهم مقاصد الشريعة على كمالها؛ لأن الإنسان إذا بلغ مبلغاً؛ فهم عن الشارع قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة، وفي كل باب من أبوابها، فقد حصل له في: التعليم والفتياوالحكم بماأراده الله تعالى وصف ينزله منزله الخليفة للنبي الوصف الثاني: التمكن من الاستنباط؛ بناء على فهمه فيها بواسطة معارف محتاج إليها في فهم الشريعة أولاً، وفي استنباط الأحكام ثانياً:وقد أكد الإمام محمد الطاهر بن عاشور- رحمه الله تعالى- أن المجتهد لاغناء له عن معرفة مقاصد الشريعة وفهمها؛ لأنه لو اكتفى بأدلة الشريعة اللفظية؛ فسيقصر فهمه وتفقهه - كما قص رفهم من التزم النص الظاهر واللفظ واقتصر عليه؛ لأن أدلةالشريعة اللفظية لا تستغني بحال عنم عرفة المقاصد الشرعية.  يقول المفكر الدكتور محمد عمارة ( الاجتهاد عقد قران بين روح الشريعة ومقاصدها وبين الواقع المتطور والمصالح المتجددة)الاجتهاد هو العقْلُ الساهر على نموِّ الشريعة وازدهارِها، والذي يطردُ العُقْمَ من قواعدِها وتُهْمة الجمود في طبيعتها الاجتهاد ينبوع القوَّةِ التي تجعلُ الإسلامَ يتحرَّكُ ويتقدَّم بكلِّ حريَّة بالاجتهاد تتمكن الشريعةَ الإسلاميَّة تستجيبُ دَوْمًا - وفي كلِّ الأحوال - للحاجات الإنسانيَّة المتطورة مع الأزْمَان. إن القرن الواحد و العشرين هو  زمنالتخصص العملي لذلك لا بد من التنبه إلى ضرورة الاجتهاد الجماعي؛ حماية للفتاوى عنالزلل، وصيانة للفكر عن الزيغ، وتأكيداً على التلازم بين التخصصات العلمية المختلفة. و نختم هذه الخلاصة بقول الإمام أحمد الذي كان يوصي أصحابه: لا تقلدوني ولا مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي، وخذوا من حيث أخذوا بالاجتهاد لا تنعزل الحياة عن الدين و بالاجتهاد يبقى للدين سلطانه في النفوس و اقتداره على إسعاد البشر .