Education

التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب

Education

مجالات الاجتهاد المقاصدي

أنقر هنااضغط على الرابط لطبع برنامج السنة الرابعة آداب مادة التفكير الإسلامياضغط على الرابط لطبع برنامج السنة الرابعة آداب مادة التفكير الإسلاميكتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب

 

تعنى مجالات الاجتهاد المقاصدي في الإسلام  الميادين التي يمكن أن تستخدم فيها المقاصد.

فأحكام الشريعة يمكن تقسيمها إلى قسمين منها ما هو متغير قابل للاجتهاد فيه على وفق المقاصد والمصالح الشرعية . ومنها ما هو ثابت بالنصوص والإجماع على مر الأزمان، لا يتغير ولا يعدل بموجب المصالح الإنسانية المتغيرة والمتطورة، ومن الجانب الثابت  في الشريعة الإسلامية نذكر العبادات والمقدرات والكفارات وأصول الفضائل والقيم والمعاملات وغيرها ومعنى أن الاجتـــهاد المقاصدي لا يشمـــلها ولا ينطـــبق عليها، لا يعنى بحال من الأحوال عدم قابليتها للمعقولية والتعلــيلية وإنما يعني ذلك أنه لا يجوز تغييرها في وقت من الأوقات تحت موجب المصلحة أو مقتضى مقصد معين حتم ذلك التغيير.
إن كل مجالات الشريعة الإسلامية  يمكن فهم حكمها ومشروعيتها و مصالحها وذلك بناء على قاعدة كون الشريعة الإسلامية قد بنيت و انطوت على ما فيه مصالح الناس في العاجل والآجل، وأنها شريعة جاءت لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الرذائل إلى الفضائل، ومن فساد الأوضاع إلى صلاح الأحكام.
إذا قلنا أن مجالا من المجالات  لا يقبل إعمال النظر المقاصدي بهدف تغييره أو تعديله، لا يعني كونه مبهمًا وغير واضح في مشروعيته وحكمته، بل هو معلل غالبا  إما على الجملة وإما على التفصيل، و هذا التعليل تتفاوت أحجامه بحسب الحال والمقام، و على سبيل المثال فالأمر التعبدي في الحج يلاحظ فيه التعليل والتقصيد أكثر من الأمر التعبدي في التيمم، فالحج مصالحه بارزة وظاهرة على الجملة، والتيمم عبادة رمزية اعتبارية ترابية تقتصر علته جملةً على أداء الامتثال والخضوع واستباحة الصلاة وتنزيه المعبود و لسائل أن يسأل عن  المجالات التي لا يمكن أن نستخدم فيها الاجتهاد المقاصدي والنظر المصلحي، أي المجالات التي لا تتحدد أحكامها بموجب المصالح التي يراها الخلق، وليس المصالح التي تتضمنها تلك الحالات ابتداء من عند الشارع نفسه، والتي ينبغي على المجتهدين فهمها واستيعابها لمعرفة تلك المجالات وتتبع أحكامها
إن المجالات القطعية لا تخلو من مصالحها المبثوثة فيها والتي يتعين فهمها واستيعابها . إن علماء الشريعة ومجتهديها توصلوا باستقراء الأدلة والأحكام والقرائن والأمارات الشرعية إلى تقرير صفتين اثنتين للشريعة وأحكامها وتعاليمها، صفة الثبات والقطع، وصفة التغير والظن.


وأطلقوا صفة الثبات والقطع على طائفة من الأحكام التي اعتبروها من المسلمات والمقررات الدائمة والثابتة على مر الأيام والعصور وفي كل ملة وأمة كما أطلقوا صفة التغير والظن والاحتمال على غير تلك الأحكام التي اتسمت بمراعاة البيئات والظروف ومسايرة أعراف الناس وعاداتهم وحاجياتهم .

فمن القطعيات التي لا تقبل الاجتهاد المقاصدي نذكر :

العقيدة: هي أركان الإيمان وهي عبارة عن  جملة القضايا والتصورات التي يجب على الإنسان المؤمن التصديق  بها على سبيل القطع واليقين والتسليم الكامل لله سبحانه و تعالى و من أحكام العقيدة،نذكر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره

العبادات: وهي جملة النيات والأقوال والأعمال التي تنظم علاقة الإنسان بربه على نحو الطهارة والتيمم والصلاة والصوم والحج والزكاة وهذه العبادات لا يجوز تبديلها وتغييرها أو تعديلها وتنقيحها زيادة أو تنقيصًا بدعوى المصلحة المرسلة وزيادة الأجر، وتحسين الأداء، ومسايرة التطور و اللحظة التاريخية والأصل في الشعائر الدينية التعبد كما أراد الله سبحانه و تعالى إذ لا يعبد الله إلا بما شرع لذا ما على المؤمن إلا الامتثال لأوامر ربه

المقدرات: وهي جملة الأمــــور التي بينها الله بيانًا محـددًا ومضبوطًا لا يقبل الاحتمال والتأويل، ومثالها مسائل الميراث والعدة والحدود والكفارات الموضوعة لمعالجة الأخطاء والجنايات. وهي متسمة بالثبات والقطعية والتقدير المحكم، الذي لا يتبدل بتبدل الزمان والمكان والحال، وبتغير المصلحة والعرف والعادة والظرف. وهذا ما أكد عليه الإمام الشاطبي «فجعل الشارع للحدود مقادير معلومة، وأسباباً معلومة لا تتعدى، كالثمانين في القذف، والمئة، وتغريب العام في الزنا على غير إحصان، وخص قطع اليد بالكوع وفي النصاب المعين، وجعل مغيب الحشفة حداً في أحكام كثيرة، وكذلك الأشهر والقروء في العدد، والنصاب والحول في الزكوات)

 مظهر المتغير من الأحكام والتي تشمل الوسائل المساعدة للعقيدة، والوسائل المساعدة للعبادات والوسائل المساعدة للمقادير الشرعية، والوسائل المساعدة للقواعد القطعية أو الكلية الكبرى وهذه الأحكام قابلة للاجتهاد لأنها ارتبطت بعلة تغيرت أو بعرف تطور، لأنها أحكام متغيرة ارتبطت بظروف متحققة وقت الاجتهاد ومرتبطة بالعلة أو ما يسمى حكمة التشريع التي تحقق مقصود الشرع الإسلامي مما يدعو إلى ضرورة تفعيل مظاهر الثابت والمتغير في الفقه الإسلامي وإنزال المتغير منها كالعرف وسد الذرائع، والاستحسان والمصالح المرسلة إلى واقع المجتمعات المعاصر والتمثيل على معناها بأمثلة حيوية واقعية، حتى لا تبقى مجرد أدلة في مستوى التنظير لا غير، أو تراثية تعيش ماضي الأمة ولا تعيش حاضرها ومستقبلها.إذن لا يصح بناء على ذلك أن يقال إن الدين الإسلامي نصوص قضيت وانتهت، يتَّبِعُ فيها اللاحقون السابقين، ولا يصح كذلك أن يقال إن نصوص الدين الإسلامي نزلت في زمان ومكان وأحوال خاصة، وهي بالتالي تناسب العصر الذي نزلت فيه، ولا يصح ولا يصلح أن تعمم على الأزمان اللاحقة. هذان رأيان ضعيفان يترددان بين الإفراط والتفريط، وهما وإن كانا رأيين متناقضين إلا أنهما بالنتيجة متقاربان متشابهان في كونهما رأيين غريبين عن الإسلام بعيدين عن المسلمين، وسمة الغلو بادية عليهما.

والفطرة السليمة والمنطق المعقول أن الشريعة الإسلامية جمعت بين صفتي الثبات والمرونة، ليؤهلها ثباتها لأن تكون راسخة الأصول ثابتة القواعد قادرة على الحفاظ على سمتها وهويتها على مر الأزمان ، فمرونة الشريعة الإسلامية تجعلها في انسجام مع الواقع مهما تطور، كما تجعلها قادرة على استيعاب كافة المستجدات في كل العصور .
فأصول المعاملات وهي تمثل  مبادئ التعامل الكبرى وقواعد الأخلاق العامة،  كقيم العدل والشورى والأمانة، والأمر بالمعرف والنهي عن المنكر، والوفاء بالوعود والصلح ، واحترام الكبير و توقيره، ورحمة الصغير وإعانة ذي الحاجة الملهوث، وإكرام الضيف، وغير ذلك من الفضائل المقررة في كل أمة وملة، والجارية على وفق العقول الراجحة والطباع و الفطرة السليمة، والتي لاينبغي أن تعطل أو تغيب عن واقع الناس مهما تغير أو تطور، و من المعلوم أنه لا يمكن استخدام الاجتهاد المقاصدي إلا في معظم تفاصيل  أصول المعاملات وفي كيفياتها .

عموم القواطع: وهي جملة ما يعد قطعيًا في منظور الشرع الإسلامي، و يكون ذلك  إما بالتنصيص عليه، أو الإجماع عليه، أو ما علم من الدين بالضرورة أو غير ذلك مما لا يقبل التغيير والتعديل بموجب النظر المصلحي والعمل الاجتهادي مهما علت درجات ذلك الاجتهاد والاستصلاح وبلغت ما بلغت من القطع والوضوح والظهور والمشروعية، ومن قبيل ذلك قطعية المتواتر والإجماع، وكيفيات بعض المعاملات وغير ذلك
إن الشريعة الإسلامية جمعت بين مفهوم الثبات والمرونة في ذات الوقت ويعني ذلك وجود ثبات في الأهداف ومرونة في الوسائل، ثبات في الأصول ومرونة في الفروع، ثبات في الكليات ومرونة في الجزئيات فالقطعي في الشريعة الإسلامية لا مجال للاجتهاد فيه، أما الظني فيها فهو مجال خصب للاجتهادات المستمرة

و خلاصة القول أن الثابت في الاصطلاح الشرعي  يقصد به: القطعي ومواضع الإجماع التي أقام الله بها الحجة بينة في كتابه وفي السنة النبوية الشريفة والتي لا مجال للتطوير أو اجتهاد ولا يحل الخلاف فيها لمن علمها وهذا ما أكده الشافعي رحمه الله فقال: «كل ما أقام به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصاً بيناً: لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه.كما يمكننا أن نعرف الثابت بأنه ما ثبت بالدليل القاطع في وروده وفي دلالته، أو ثبت من طريق عقلي لا شك فيه، وهذا الثابت ثابتٌ مدى الزمن لا يتغير ولا يتبدل وليس موضعاً لاجتهاد العلماء، أو اختلافهم، وهي التي جمع الله عليها المسلمين.

و بعد تعريف الثابت في الشريعة الإسلامية ننتقل لتعريف المتغير فنقول المتغيير الاصطلاح الشرعي هو الذي يقصد به مواطن الاجتهاد في الشريعة الإسلامية وهذا ما أكد عليه الإمام الشافعي رحمه الله بقوله «وما كان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياساً، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، وإن خالفه فيه غيره: لم أقل أنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص  هناك أحكام ثابتة من حيث نسبتها إلى مصدرها وتشمل الكتاب والسنة المتواترة والثابت دلالة في كونه لا يحتمل إلا معنىً واحداً فالاجتهاد لا يجوز أن يعارض نصاً ثابتاً وذلك لأن معارضة نص ثابت سيؤدي إلى تقرير التعارض بين النص الثابت ودليل الاجتهاد وشاهده البعيد، وهذا أمر يجب رده لأنه اتهام للشارع بالنقص، فلا يجوز للاجتهاد أن يعارض نصاً ثابتاً، وذلك لأن المصالح تسير على وفق نصوصها وأدلتها القطعية)   و في نفس السياق يقول  الشيخ أبو زهرة ( إن المصلحة ثابتة حيث وجد النص، فلا يمكن أن يكون هناك مصلحة مؤكدة أو غالبة والنص القاطع يعارضها، إنما هي ضلال الفكر أو نزعة الهوى أو غلبة الشهوة، أو التأثر بحال عارضة غير دائمة، أو منفعة عاجلة سريعة الزوال، أو تحقيق منفعة مشكوك في وجودها، وهي لا تقف أمام النص الذي جاء عن الشارع الحكيم وثبت ثبوتاً قطعياً لا مجال للنظر فيه ولا في دلالته)  

إن وجود المتغير في الشريعة الإسلامية يجعلها قابلة لتعدد الاجتهادات و تعدد القراءات و من لا يملك الحقيقة قد يمتلك أجزاء منها فاختلاف المجتهدين في الجانب المتغير في الشريعة الإسلامية من المظاهر الصحية فالاختلاف رحمة ما لم يختلط بالتعصب فينقلب إلى نقمة  و للمجتهد أجره من الله سبحانه و تعالى أخطأ أم أصاب يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في إحدى رسائله:"فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية والعملية، أو المسائل الفروعية العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام". و انتقد الإمام الشوكاني ظاهرة تكفير المجتهدين فقال رحمه الله و رحمنا و رحم كل من آمن بالرسول محمد صلى الله عليه و سلم : "واعلم أن التكفير لمجتهدي الإسلام بمجرد الخطأ في الاجتهاد في شيء من مسائل العقل عقبة كئود لا يصعد إليها إلا من لا يبالي بدينه ولا يحرص عليه، لأنه مبني على شفا جرف هار، وعلى ظلمات بعضها فوق بعض، وغالب القول به ناشئ عن العصبية، وبعضه ناشئ عن شبه واهية ليست من الحجة في شيء، ولا يحل التمسك بها في أيسر أمر من أمور الدين فضلا عن هذا الأمر الذي هو مزلة الأقدام، ومدحضة كثير من علماء الإسلام. والحاصل أن الكتاب والسنة ومذهب خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم يدفع ذلك دفعا ولا شك فيه ولا شبهة. فإياك أن تغتر بقول من يقول منهم إنه يدل على ما ذهب إليه الكتاب والسنة، فإن ذلك دعوى باطلة مترتبة على شبهة داحضة، وليس هذا المقام مقام بسط الكلام على هذا المرام لوضعه في علم الكلام") و تصديقا لما سبق نورد قول الرسول صلى الله عليه و سلم: (إذا حَكَمَ الحاكمُ فاجتهد ثم أصابَ فله أجران، وإذا حَكَمَ فاجتهدَ ثم أخطأَ فله أجر) (متفق عليه من حديث عمرو بن العاص) كما قال صلى الله عليه و سلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه)( رواه ابن ماجه عن أبي ذر الغفاري).

إن الاجتهادِ والتجديدِ لا يعنى بحال من الأحوال إلغاء النص  وتجاوزه أو تبديله أو تطويعه لخدمة أغراض مذهبية أو أيديولوجية  وإنما المرادُ بالاجتهاد و التجديد هو الفهم المتجدد للنص على ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية و كلياتها العامة دون إغفال لمتطلبات اللحظة التاريخية و مصالح المسلمين المشروعة ، إن الاجتهاد و التجديد هو حسن فهم النص تفسيرا و تأويلا  للاهتداء  لمعالجة القضايا المعاصرة ، معالجة نابعة من هدي الوحيين الوحي القرآني و الوحي النبوي.

إن دعاوي إغلاق باب الاجتهاد قديما و حديثا هي في حقيقة الأمر خروج من الواقع والمجتمع، والحاضر والمستقبل معًا و قعود عن الفعل الحضاري و كل ذلك يتعارض مع وظيفة الاستخلاف و يتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي و مع مقاصده و كلياته .

 

من مجالات الاجتهاد المقاصدي في الإسلام اضغط على الرابط للطبعمن مجالات الاجتهاد المقاصدي في الإسلام اضغط على الرابط للطبع