Education

التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب

Education

الزمن والفعل الحضاري

أنقر هناكتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب اضغط على الرابط لتصفح الكتابكتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب اضغط على الرابط لتصفح الكتابكتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال صلى الله عليه و سلم لرجل و هو يعظه : " اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك و صحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك " رواه الحاكم - المستدرك على الصحيحين

الزمان هو من نعم الله التى ينبغي حسن استغلالها فالزمن قابل للقسمة و مجدد و ممتد و متراخى و في حركة مستمرة . لقد اختلف تعامل المجتمعات مع الزمن فالمجتمعات التقليدية و الريفية لا تبالى بالحصر الدقيق المنسق و المضبوط للزمان إذ تؤرخ المجتمعات التقليدية أحداثها المهمة بطريقة عشوائية مثال : عام الفيل ، عام الطاعون، حرب الألمان، يؤثر الزمان على الإنسان وواقعه المعيش فعمر الإنسان و نشاطه محدد بفترة زمنية عليه استثمارها و إلا لن تتوفر له فرصة للتدارك و الرجوع إلى الوراء في الزمن.إن الدلالة الإنسانية للزمان تعنى شيئا أكثر من مجرد الأرقام " كما يقول - جون جرانت - فالزمن مجال للتخطيط الدقيق و ضبط الأهداف و تحديد المدة لإنجازها وتحقيقها و الإنسان مدعو للإعتبار بالتجارب الماضية و الحاضرة التي وقعت في فترات معينة من الزمن كما أن الزمان فصحة للتأمل و الآكتشاف والاستثمار و البناء والتعمير فضياء النهار دافع للحركة و طلب الرزق و تبادل المصالح و سكون الليل  جعل لأخذ قسط من الراحة الازمة لضمان تجدد النشاط الإنساني. قد سمى العرب الليل و النهارالجديدين لأنهما كل يوم يتجددان، تداول الفصول ،اختلاف طول الليل و النهار حسب الفصول - الهلال يصبح بدرا . لقد طرح مفكروا الإسلام مجموعة من الإشكاليات و الأسئلة حول الزمن نذكر منها: الرازي : إلى أي مدى يمكن للعقل الحكم على الدهر بالوجود أو العدم الايجي : الزمن متجدد يقدر به متجدد فكل بحسب ما هو مقدر عنده يقدر غيره . كما ذهب الايجي أن تفاوت الزمان في الحركات إنما هو بحسب تفاوت المعاوق فالبديهة تشهد بأن الحركة مع المعاوقة و إن كانت قليلة تكون أبطأ و أكثر زمانا من الحركة التي لا معاوقة معها أصلا .ابن سينا : الزمان لا يتصور إلا مع الحركة كما ميز ابن سينا بين نوعين من القدم : القدم الذاتي الذي هو من صفات الخالق الذي لا أول له و القدم الزماني و هو الذي له أول بوجوده في زمان ماض غير متناه.قال تعالى :"  يقلب الله الليل و النهار إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار " النور11   فالعبرة التي يستخلصها أولو الأبصار من تقلب الليل و النهار أن دوام الحال من المحال مما يبعث روح الأمل في الإنسان للتغلب على العوائق و كشف المجهول . و العبرة الأخرى التي يستخلصها أولو الأبصار من تقلب اليل و النهار هي فكرة التغيير   و التجدد المستمرين . امتداد الزمان فرصة للإنسان لإنجاز ما لم يستطع إنجازه في زمن سابق فعدم وعي الإنسان بالزمان يجعل هذا الأخير يتحكم فيه و عندما يعي الإنسان بالزمان يصبح قادرا على تجاوز حتمياته فلا أحد ينكر أهمية الزمن في حياة الكائنات الحية و غير الحية

عمر الإنسان قصير لذا عليه حسن استثمار الزمن للعمل البناء  و الفعل الحضاري و هو الغاية من خلق الإنسان الزمن ينفي حياة الإنسان و المؤمن مطالب بإفناء الزمن بالعمل الصالح للفوز بالخلود الأبدي في الآخرة .من الناس من وعى بقيمة الزمن و الهدف من خلقه فأحسن العمل ففاز في الدنيا و الآخرة و من الناس من لم يع بقيمة الزمن و الغاية من وجوده فكان مآله الخسران المبين في الدنيا    و الآخرة . فحسن التعامل مع الزمن هو مسؤولية دينية و دنيوية فالزمن لا يرحم و إن لم يقطعه الإنسان قطعه أي إن لم يغلب الإنسان على الزمن غلبه . ووقفت الإنسان إما أن يعمر بمصلحة أو مفسدة أو لا يعمر بشيء . و قد يكون الإنسان مغبونا في الفراغ بعدم استغلاله في أنشطة قد لا يسمح الوقت و الزمن و مشاغل الحياة بالقيام بها في فترة لاحقة و يكون الغبن بالحصرة و الندم على عدم القيام بتلك الأنشطة في زمن ذلك الفراغ المهدور الذي لا يمكن أن يعود . ليس هناك تناقض بين حق الإنسان في الراحة و اعتباره مغبونا في الفراغ فيمكن للإنسان أن يقضي أوقات فراغه و راحته في الترفيه عن نفسه و عن أفراد عائلته و ممارسة الرياضة و السياحة الثقافية و بذلك يقضى على الملل و الكآبة و كل الأمراض النفسية التي يسببها الفراغ .إن وقت الفراغ فرصة لمطالعة كتاب أو مجلة في حافلة أو قطار و هو فرصة للتعارف و تبادل الأفكار و هو أيضا فرصة لقراءة التاريخ عبر زيارة الآثار و المتاحف. حسن تصرف المسلم في الزمن يبرز حسن تمثله لخلافة الله تعالى في الأرض.فحسب الراغب الأصفهاني تتطلب القوة الشهوية من الإنسان استغلال الزمن لتحصيل المكاسب و المنافع أما القوة الغضبية تجعله في حاجة إلى الزمن للتدرب على ترويض النفس  و حمايتها و القوى الفكرية تتطلب منه وقتا للمعرفة و تحصيل العلوم . تجدد الزمان و استمراره دافع للإنسان لمزيد التذكير والتعقل ليكون يومه أفضل من أمسه و غده أحسن من يومه فتجدد الزمن فرصة للتدارك والإصلاح و مزيد البذل و العطاء والتفاني لتحقيق الأهداف و استشراف مستقبل زاهر . التجدد سنة كونية مما يجعل المسلم يتصف بهذه القيمة للفعل الحضاري ولتغيير الواقع نحو الأفضل. يقول مالك " الزمن نهر قديم يعبر العالم منذ الأزل " فمن أوجه الشبه بين النهر والزمن التجدد المستمروعدم الثبات و التحول فالزمن يصير ثروة عند حسن استثماره و يصبح عدما عند إضاعتهو إهداره كلما نما الوعي بالزمن و قيمة العمل المثمر فيه كلما ازداد الإنسان و الإنسانية رقيا و تقدما    و عدم الوعي بالزمن و الاستهتار به و سوء التصرف فيه يؤدي حتما إلى التفكك و الانحطاط و الإنهيار و الفناء و الشعوب التي تعرف اليوم الازدهار و التقدم مثل كوريا   و البيان ، الصين و غيرها من بلدان شرقي آسيا كل هذه الدول عرفت بتقديسها و باحترامها للوقت و العمل مما جعلها دول فاعلة في الحضارة الإنسانية
ما معادلة الحضارة عند المفكر الجزائري مالك بن نبي( 1905/ 1973 ) إنها: ( إنسان + تراب + وقت ) تبيّن هذه المعادلة أن الإنسان الفرد يؤثر في المجتمع بفكره و ثقافته و بعمله وماله  لذا وجب توجه الإنسان في هذه النواحي الثلاث الفكر و العمل و رأس المال. الإنسان هو أهم عنصر في معادلة الحضارة  عند مالك بن نبي فالإنسان هو الذي ینتج الحضارة بالإصلاح والتغیر ولن یغیر الإنسان التاریخ إلا إذا غیر نفسه فإذا كانت مشكلة الحضارة الأولى هي الإنسان فان المشكلة الثانیة هي الأرض التي یعیش علیها هذا الإنسان ، أو ما عرفه مالك بالتراب. إن مشكلة التراب ترتبط بالإنسان الذي یعیش علیه ویملكه ویستغله، والتراب یستمد قیمته من الإنسان المتحضر أو المتخلف، وقد قدم مالك بن نبي كمثال على حسن استغلال التراب ، المواطن الیاباني الذي  استطاع أن یتحدى الأرض رغم ضعف تربتها فهي جزر، وجبال، وصخور ، وهي تربة متعرضة للكوارث الطبیعیة، إلا أنها لم تعق تقدم اليابان وتطوره لأن المواطن الياباني لم يستسلم و وظّف  الزمن وعقله و قدراته، للتغلب على مشكل التراب. و لتوضيح العنصر الثالث في هذه المعادلة و هو الوقت أي الزمن  أورد مالك بن نبي كمثال على حسن التعامل مع الزمن ألمانيا التي خرجت  عقب الحرب العالمية الثانية عام 1945 محطّمة تحطيماً كاملاً دون أي أساس لبناء نهضتها. شعب لم يبق لديه من وسائل النهوض بعد الحرب إلا الإنسان والتراب والزمن، وفوق كل ذلك كانت ألمانيا محتلة من أربع دول، ومع ذلك وبعد 10 سنوات فقط، عادت ألمانيا إلى صدارة الفعل الحضاري الإنساني. إن  أهم عامل من عوامل تحقيق النهضة الحضارية في ألمانيا من جديد  هو حسن توظيف الزمن و تقديس العمل و اتقانه ، حيث فرضت الحكومة الألمانية عام 1948 على الشعب الألماني كلّه نساءً وأطفالاً ورجالاً التطوع لمدة ساعتين في اليوم زيادة على عمله الطبيعي تطوعاً للصالح العام، وسمي هذا العمل، التجنيد العام للمصلحة العامة. إن القيمة الحقيقية للزمن في فكر مالك بن نبي تنبع من القيمة التي نعطيها نحن للزمن. وللتربية و التعليم دور في التوعية بقيمة الزمن الذي أكد على قيمته النص القرآني في العشرات من الآيات. إن موقف الإنسان من ا لزمن هو الذي یحدّد قیمته الاجتماعية ویجعل منه عامل للبناء والتشیید و الإبداع  أو عامل هدم وتدمیر، فإذا أحسن كل عامل استغلال الوقت وعمل بإتقان و بجد وشعر بوظیفته والاجتماعية فانه بذلك سيكون عنصرا فاعلا  في بناء المجتمع وتحریك التاریخ للإبداع  والبناء الحضاري.الإنسان هو الفاعل الأوّل و العنصر الأساسي  في معادلة الحضارة عند  مالك بن نبي و ذلك لأن الإنسان عنصر یؤثر على عنصري التراب والوقت وهو الذي یحدّد فاعلیتهما أو ركودهما، وتبقى عناصر الحضارة ( الإنسان+ التراب + الوقت )  مجرد كلمات حتى یتم ربطها بالعامل الدیني لأنه له دور في تفعیل مركب الحضارة. يقول مالك بن نبي في ذلك  : (  يست المشكلة أن نعلّم المسلم عقيدة هو يملكها وإنما المهم أن نردّ إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الإيجابية وتأثيرها الاجتماعي) .                                                  

أنقر هناالزمن و الفعل الحضاري للطبع اضغط على الرابطالزمن و الفعل الحضاري للطبع اضغط على الرابط