Education

التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب

Education

في فلسفلة النص و التشريع الإسلامي

كتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آدابكتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب اضغط على الرابط لتصفح الكتابكتاب التفكير الإسلامي للسنة الرابعة آداب اضغط على الرابط لتصفح الكتاب

القرآن الكريم المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي هو أصل و مرجع  كل بقية المصادر و المناهج  التشريعية  قال تعالى: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ( 15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( 16 ) )الآيات 15 /16 من سورة المائدة ...و قد أمر الله نبيه محمد صلى الله عليه و سلم بأن يبين للناس ما نزل إليه و من هنا كان الوحي وحيان وحي متلو و هو القرآن و وحي مروي و هو السنة المصدر الثاني من مصادر التشريع و التي لا غنى عنها لمعرفة أحكام الله تعالى و تشريعاته الواردة في القرآن فالسنة مبينة للقرآن و هي تقيد مطلقه و تخصص عامه و تفسر ما ورد مجملا في بعض الآيات القرآنية كما أن السنة بينت ناسخ القرآن من منسوخة كما أتت بأحكام لم ترد في القرآن قال الله تعالى: ( و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه انتهوا ) الآية 7 من سورة الحشر...
أقر القرآن الكريم الاجتهاد بطريق القياس فقال سبحانه في الآية 105 من سورة النساء : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِليْك الكتَاب بالحقِّ لتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ ) كما أمر بالتدبر و التفكر و التعقل في أحكام الشرع و غيرها فقال سبحانه في الآية 3 من سورة الرعد:( إِنَّ في ذلكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون ) كما قال تعالىفي سورة ص الآية 29 : ( كتابٌ أنزلناه إليك مباركاً ليدّبروا آياته وليتذكر أولو الألباب).  الاجتهاد حياة التشريع و هو رافد يدعم النص قرآنا و سنة،بالاجتهاد  نضمن حيوية الفقه الإسلامي وتفاعله مع أحوال المجتمع. فالمجتهد الذي توفرت فيه شروط المجتهد يجعل التشريعات الإسلامية منسجمة مع مقاصد الشريعة و مواكبة لتطورات العصر و لمتطلباته و أعرافه و مصالحه المشروعة و المغايرة لما سبقها في بقية العصور .حيثما وجدت المصلحة المشروعة فثم شرع الله و( ما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن)  إذا حقق العدل و المصلحة و الرحمة و انسجم مع المبادئ و القيم الإنسانية السائدة في ذلك العصر ، يقول العز بن عبد السلام ( إن الشريعة كلها مصالح إما درء مفاسد أو جلب مصالح ) كما يقول الإمام الشاطبي ( و الشريعة ما وضعت إلا لتحقيق مصالح العباد في العاجل و الآجل و درء المفاسد عنهم )، قال تعالى في سورة البقرة الآية 179: ( و لكم في القصاص حياة يا أولى الألباب ) لقد شرع الله القصاص كمصلحة مؤكدة للناس لأن فيه ردع لكل من تسول له نفسه الاعتداء على أرواح الناس  كما علل الله تحريم الخمر و الميسر – القمار- " و هي من المصالح الضرورية "  بقوله في الآية 91 من سورة المائدة : (  إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) فالنهي عن الخمر والميسر يحقق مصلحة مؤكدة هي دفع العداوة و البغضاء و الصد عن ذكر الله و بعد المصالح الضرورية  التي لا بد منها لصالح الدارين الدنيا و الآخرة و هذه الكليات الخمس هي:  حفظ الدين و النفس و العقل و النسل  و المال تأتي المصالح الحاجية و هي التي يحتاجها الإنسان لرفع المشقة و دفع الحرج عنهم و لا تختل بفقدها حياتهم كما يقع في الضروريات، قال تعالى في سورة الحج الآية 78 : ( و ما جعل عليكم في الدين من حرج)  و من أمثلة المصالح الحاجية الرخص في الصلاة و الحج و الصوم و إباحة الطلاق أما ثالث المصالح فهي المصالح التحسينية التي عرفت بأنها المصالح التي تليق بمحاسن العادات و مكارم الأخلاق و التي لا يؤدي غالبا تركها إلى الضيق و المشقة و من أمثلة المصالح التحسينية ستر العورة و أخذ الزينة في الأماكن العامة و آداب الأكل و الشرب و النظافة  

بنيت الشريعة الإسلامية على المقاصد و المصالح لذلك يجوز للمجتهد تغيير اجتهاداته لتغير الأوضاع و الأعراف إذ مناط الاجتهاد هو الدليل فمتى ظفر به المجتهد وجب عليه الأخذ به إذا كان أولى بالأخذ مما قد أخذ به سابقا لأنه أقرب إلى الحق و الصواب و بالأخذ بالمصلحة تكون الشريعة الإسلامية قادرة على استيعاب حاجات الناس و تحقيق مصالحهم في كل زمان و مكان. روي عن عمر رضي الله عنه أنه في بعض مسائل الميراث قضى بحرمان الإخوة الأشقاء و ذلك  لأن الفروض استوعبت جميع التركة، مثال : إذا مات شخص وترك زوجاً وأماً وإخوة لأم وإخوة أشقاء، ثم و في مسألة مشابهة  قضى عمر بن الخطاب بالمقاسمة في الثلث بين الأخوة لأم والإخوة الأشقاء، فلما سئل عن سبب التفرقة، قال: ( تلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي) فهو لم ينقض اجتهاده السابق، وإنما أقره و أقر التغيير في نفس الوقت.كما أن الإمام الشافعي  كعمر بن الخطاب راجع اجتهاداته فكان له فقه قديم و فقه جديد ، فقه الشافعي القديم كان في الفترة التي قضاها في العراق ، وكان للشافعي اجتهادات مغايرة لاجتهاداته في العراق لما انتقل إلى مصر فسميت بفقه الشافعي الجديد  و بهذا يكون للشافعي قول قديم و قول جديد في نفس المسائل الفقهية التي اجتهد فيها قديما في العراق ثم أعاد النظر و الاجتهاد فيها بعد فترة من الزمن لما انتقل من العراق  إلى مصر فالواقع الجديد بمصر و مصالح أهلها غير الواقع و المصالح و العرف بالعراق و من القواعد الفقهية أن العادة محكمة . كل مجتهد في حاجة إلى آليات و وسائل و طرق و مناهج واضحة في التفكير و العمل ليكون قادرا على الاجتهاد فيما لا نص فيه و يكون قادرا سواء على استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها.إن كل المناهج التي يعتمدها الفقيه كالقياس و المصلحة المرسلة و الاستحسان  و غيرها تراعي مقاصد الشريعة الإسلامية عملا بالقاعدة ( حيثما كانت المصلحة المشروعة فثم شرع الله ) و شرع الله يهدف لتحقيق العدل و الرحمة و التوسعة و التخفيف و رفع الحرج و الضيق عن الناس و كل ما سبق  يجعلنا نؤكد إلى ضرورة  إدراك و توقع ومعرفة الفقيه في كل اجتهاد من اجتهاداته بمآلات الأحكام إذ المصلحة الذاتية المشروعة في أصلها قد تنقلب غير مشروعة إذا أفضت إلى مآل ممنوع .إن فلسفة النص القرآني و فلسفة التشريع تفرض على المجتهد رؤية منظومية للتشريع و هذا ما دفع ابن العربي يقول ( الظني إذا خالف قواطع الأدلة تؤوّل ) أما الشاطبي فقد قال ( الظنّي المعارض لأصل قطعي و لا يشهد له أصل قطعي مردود بلا إشكال ) خلاصة القول الاجتهاد حركة عقلية على ضوء مقاصد النص القرآني لتحقيق مصالح الإنسان المشروعة و المتغيرة و هذا ما يجعل المجتهد لا يرتبط بحرفية النص سواء كان قرآنا أو سنة بل ينظر إلى عمومية المقاصد التي تحيله إلى مآلات الأحكام .بالفكر الاجتهادي الحر المستنير بمقاصد الشريعة الإسلامية و المتبين و العارف  لمتطلبات العصر و مصالح الإنسان فيه  و البعيد عن التعصب المذهبي و التقليد الأعمى و تقديس آراء العلماء السابقين يساهم الفقيه من موقعه و باجتهاداته النيرة المبنية على فلسفة و مقاصد النص القرآني والمواكبة للحداثة و التطور العلمي و التكنولوجي و الإقتصادي  من إخراج المجتمعات الإسلامية مما تعانيه من تخلف و ركوك و فوضى على جميع الأصعدة.

×